أجسادٌ ترابيةٌ مُتعجرفة. كـ رؤى المخلافي
... أجسادٌ ترابيةٌ مُتعجرفة ...
ماذا عن أدق تفاصيلنا، عن أسمائنا وأسماء أجدادنا، ألقابنا وقبائلنا وأصولنا؟!
هل يعامل المرء منا حسب أصله وانتمائه، هل نحظى بالاحترام والتقدير حين نكون من أصولٍ عظيمةٍ ومعروفة، ونُنْبَذ ونُحْتَقَر حين نكون من أصول بسيطة وغير معروفة؟!
هذا سيد من آل البيت، وذاك من القضاة والمشائخ، وذاك من القبائل المعروفة، وهؤلاء هم المهمشون، والجزارون والمزائنة!
هل نحن ضمن نطاق التخلف والرجعية، هل نحن كذلك؟!
يا للعار إن كنا كذلك فعلًا . .
يا لسذاجة أفكارنا وغباء عقولنا، ويالبؤس هذا المجتمع الهمجي الرجعي العنصري!
وإنني بريئةٌ منهم، بريئةٌ ممن ينظرون لمن حولهم باستعلاء، الذين يعتقدون أنهم ملوك الأرض، وأنهم الأفضل من غيرهم وأن بقية الناس نواقصُ وهوامشُ في هذه الحياة، بريئة من أولئك الذين يتباهون بأصولهم، الذين يتحدثون بكبرٍ عن أصل جذورهم، بريئة منهم ومن كل اعتقاداتهم العنصرية..
لم يحدث أبدا أن التفتُّ إلى الأصل والنسب بقدر التفاتي وانجذابي إلى الأخلاق ومكارمها..
فهاهي المشيخة والسيادة وأصحابها المتكبرون المتعجرفون إلا من رحم الله، وها هي تلك الفئة المهمشة وغيرها من الطبقات المنبوذة من البسطاء والفقراء الكرام الأفاضل الطيبين..
فعن أي أصول تتحدثون؟
وماذا يهم الأصل والنسب والمرء منا فقير الأخلاق، ما فائدة الألقاب والأصول والأنساب إن لم يتوجْ صاحبُها بأخلاق حميدة وأفعال حسنة راقية؟!
مهلًا: أولسنا من أب واحد وأم واحدة، من منا ينتمى إلى ملاك ما، أو إلى نجم، أو كوكب خارج هذه الأرض، من منا خُلق من نور أو من ذهب؟!
جميعنا لآدم . . . وآدم من تراب
ــ هل هي مجرد كلمات يا رؤى؟
هل تستعرضين من خلالها مخزونك الكتابي؟ أم أنك تدعين التواضع والنقاء؟
ــ لست كذلك، فقط نشأت على يد رجل علمني أن الإنسان لا يكون إنسانا إلا بأخلاقه الحميدة، وما دونها زيف ورياء..
وإنني ابنة لرجلٍ متواضع، رجل شاءت له الأقدار أن يكمل تعليمه الجامعي في أوروبا، وطن العلم والثقافة والرقي..
كان كلما سنحت له الفرصة لزيارة وطنه، يذهب إلى قريته التي ولد ونشأ فيها، فكان يترك الجميع ويذهب إلى ذلك العجوز المهمش المعاق حركيًا، يجلس معه محدثًا ومحاورًا ومازحًا، في منزله الذي لا يحتوي على أكثر من غرفة واحدة والتي هي أقل من متواضعة..
والدي كان لا يهتم لأصل ولا لنسب لا لعلم ولا لجاه، لم يحدث وأن سخر من أحد أيا كان أصله ونسبه، لم يكن ينظر إلى الثياب الممزقة التي كان يرتديها الفقراء، لأنه كان يعلم تمامًا بأن المعدن الحقيقي للمرء يتمثل بما يكنه فؤاده، وبما تشير إليه أفعاله، حتى إنه لم يحدث وأن علق على كلماتهم البسيطة العشوائية غير المفهومة!
يمد يده إلى كل المهمشين والمساكين، يساعدهم في أمور حياتهم، ويدفع بأبنائهم إلى الذهاب لتلقي العلم ويحثهم على طلب الرزق، ويهمس لهم: أن النقص كل النقص في شخص يعمل فيسرق، في خائن الأمانة، شخص يأكل ويشرب من الحرام، شخص بكامل صحته وعافيته يمد يده إلى الناس سائلًا إياهم العطف والصدقة..
فكم مرة أخبرني فيها بأن المهمشين وغيرهم من الفقراء هم الكادحون حقًا، هم أعظم شأنًا من غيرهم..
كان وما يزال معلمي الذي علمني أن الإنسان لا يكون إنسانا حقًا إلا بأخلاقه، بنبل كلماته وأفعاله..
"إياكم أن تنظروا إلى الناس بعين السخرية، لا تنظروا إلى الظاهر منهم وتنسوا الباطن"..
إلى والدي، إلى نبضات قلبي الهادئة :
في أيام كنت أنت في طياتها كنت أنا حينها طفلة ومراهقة، لم أكن أعي معنى ومفهوم كلماتك، أنصت بصمت دون أن أخوض معك في الحديث والنقاش، ولكن اليوم ابنتك الصغيرة أصبحت امرأة ناضجة تعلم تمامًا أن الإنسان لايكون إنسانًا إلا بإنسانيته، بتهذيب كلماته وأفكاره وبحسن أفعاله وبطهر نواياه..
رحم الله رجلًا زرع داخلي قيمًا ومبادئَ لن تتزحزح ولو بأعاصير من رياح وزلازل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
همسة: عاملوا الناس كما تحبون أن يعاملوكم، بعيدًا عن الطبقية البغيضة، وأحكامها العنصرية، القبيحة والجاهلية.
#رؤى_المخلافي
تعليقات
إرسال تعليق