نقاش روحي بيني وبين جبران.. الكاتبة هدنا ميعاري
أقرئوا معي هذا الحوار بين أديب واديبه
( نقاش روحي بيني وبين جبران )
قال لي : نحن أمة نحتضر ولانموت ٠٠ فقلت له : اهرب اهرب ولا تقترب
علي إيقاع ثورتي ؛ رياح ذاكراتي
من يشبه القدس لا يرحل إلا شهيدا ٠
قال : قد احتضرتم ألف مرة ومرة ولم تموتوا
قلت : يا جبران كالعنقاء نحن في عذابات الصمت نعيشها برغم لوعة الجمر ؛ كصرخة مخيفة لم يكن سوق الوارقين به أقلام كثيرة لا ننتزع منك الاعتراف ؛ نحن من سرنا وحدنا في غياهب الطريق وخضنا كل دروب الصبر من الصعاب حتي وصلت خطانا بالسكينة وراحة البال
يا جبران : الفاصلة عندنا مرحلة جديدة ؛ لا توجد فيها سعادة دائمة ولا حزن باقٍ ؛ نحن نبتسم لأجملها ونتجاهل أتعسها ؛ الأمنيات في الخشوع تراتيل الأمان ؛ وأمنيتي أن أراك في سقفِ الثريا قبلة المحراب .
قال : نحن الأقوياء بضعفنا ، المنتصرون بإنكسارنا ، نحن الذين نأكل قلوبنا طعاماً ونشرب دموعنا خمرا غير أننا لا نلوي أعناقنا ولا نحوّل وجوهنا عن الكواكب
قلت : يا جبران
ملامح الثوار موج هادر كالبحر يطول فيه الكلام ؛ خطاي المتوقعة في صحراء الذنَب ؛ تفتح ذراعيها وتقفز ؛ تقاوم حتي الجنة ؛ أحافظ على متون الشرف حتي مع خصومي هذه وصية أبي عندما قال حافظوا على الشرفاء ولو كانوا خصومكم ولا تفرحوا بالسفهاء ولو وقفوا معكم فالشريف لن تجده في مواقف الكرامة إلا شهماً يأبىٰ أن يدنس مقامه ومقاومته بفعل قبيح أو قول مشين ؛ والسفيه لا تفرح به ولا تركن إليه فهو اليوم لك وغداً عليك
قال : يا صديقتي نحن عقدة البيت والقصيد لم تحلها الأيام وستبقى غير محلولة ، نحن باب ضاعت مفاتيحه وراء مصراعيه أسرار الأزمنة الغابرة وأسرار الأزمنة الآتية ، نحن ندبنا همس الحياة الذابل وغيرنا يهلل وفي تهاليله تأوه الموت ٠٠
يا جبران : نحن لا نحتاج إلى رسائل خاوية من المشاعر في خضم العتمة ؛
نحن نحتاج لمن يبعث السلام في أرواحنا ؛ لمن يسمعنا بقلبه كجندي مدجج بالكرامة والكبرياء ؛ سبيله الوحيد النصر أو الشهادة
قد نحتاج للحب مره واحدة ؛ ولكننا نحتاج إلى الأمان الآف المرات ..
قال : نحن صرخة يا صديقتي تخترق غلاف الأثير ، أما سوانا فضوضاء تزعج تفاصيل الهواء ، وتقلق الأزقة والشوارع ..
نحن أغنية قديمة ترددها الذكرى كل صباح وكل مساء ، أما غيرنا فلغط في لجة ولفظ في هاوية ..
قلت : يا جبران تاه منا جموح اللسان آن الأوان للبوح بين الصمت والكلام .
كيف لنا أن نصمت وكل حروف غزة تمرد وعنفوان ؟! وماذا أكتب ورصيد قلب خاوي النبض تغسله الكلمات دمعة دمعة ، ذكرى ، فنسيان
قال : لا تجزعي يا صديقتي ،
نحن جبل راسخ مقيم علي جناحي تحلق للسماء الثامنة ، أما سوانا فأشباح تأتي مع الظلام وتضمحل باضمحلال الظلام ؛ نحن أمة قوية بضعفها ، جليلة بأضمارها ومضمارها ، تتكلم وهي صامتة اجتازت عثرات الحياة العميقة وتعطي وهي تتسول ، نحن حمل أجمة ، أما عدونا فينظر إلينا من شاهق ثم يهبط ويقبض علينا بمخالبه وينهش أجسادنا بمنقاره مستطيبا طعمنا ، ولكنه لا يستطيع ابتلاعنا ولن يستطيع .
قلت : يا جبران .. من يلجِم ثورة الفكر في داخلي وأنا حرفي صهيل مهاجر أتراني عابثة الموطأ لأغازل الحرف تارة والسطر الفائض تارة أُخرى
قال : نحن نسكن على ملتقى الطرق ، فما مر بنا فاتح إلا وغرس السيوف في حدائقنا والرماح في حقولنا متوهما أنها ستنبت غارا يكلل بها رأسه ، ولكنها لا تنبت سوى الشوك والحسك والانتقام .
قلت : يا جبران مازال الجرح قرحٌ وفي المدي يتسع نحن لا نحتاج لرسائل خاوية من الفعل والمشاعر ؛ نحن نحتاج لمن يبعث فينا الحقيقة ويرمم السلام في أرواحنا ، لمن يسمعنا بقلبه ٠
قال : يقولون إننا فقراء محتاجون ؛ نعم نحن فقراء لأننا لم نتعلم السرقة وفنون الإحتيال والغزو والنهب ، فلم نحصد قط سوى ما زرعنا ولم نلبس سوى ما غزلنا ؛ نحن قوم نبتسم لمن يضحك لنا ولكننا لا نضحك معه ، نحن قوم نتقلد ضيوفنا والوفود المبعوثة إلينا ، ولكننا لا نلبث أن نعود إلى ما بنا عندما يرحلون عنا ، ونحن قوم في جلودنا لين ونعومة ؛ لا ياصديقي يا أمير الحب والحقيقة .. لقد خلعنا الأثواب اللينة كن يقظاً هذه قضية عادلة من فيها ليسوا وحوش ، أين الدفاع وأين الرد .. أجب . رد اعتبار الأطفال من نهبت أظافرهم النار الحارقة تلتهم شُصُصٌ أنيابهم كالاخطبوط إذا لاقى فريسته يلوي أذرعه والكل يلتزبُ ، لسنا الفريسة إن طالت مخالبهم .. ابتسم وقال ابتسم في مسك الختام فأنا لا زلت أناديك ولا شئ يمحو الغياب ؛ أما عظامنا فكثيفة كعروق السنديان ، كخارطة تنتظر الفردوس المنتظر ونحن قوم نلبس لكل حالة لبوسها ؛ أما قلوبنا فتظل في مأمن من الأطوار والتطور ، وأما أرواحنا فتظل في جوار الله يمامة بين الخفقين علي موعد سفر .
قلت : وهل الله يأمرنا بالتخمر حتى التجبن ؛ نحن السيوف في حدها العطب لحمنا المر سعير يشوي لحوم الغزاة رأساً على عقب نحن الصقور التي تردي منافسها في جنحها الصارم ، ثغورنا لهب ، نحن فحول العرب لا ترهبنا العاصفات وحطّاب الأرض وحطابوه المتغطرسون بحق آيات رب العرش ، ها قد كذبوهم يوم طوفان القدس أقرب للعين من النظر ، أيامهم ضيقة وموعدهم قد حان والشمس في الغروب لا تغيب ياغزة
يا جبران : ربما اليوم ربما غدا ربما حين لا ألقاك ربما موتي فيك مؤجل
هذه الأرض محارات من درر أو قل الأشجار ثمرا
ختاما ..
تلك السنابل يا جبران هي الوطن ..
حقا من يحب القدس لا يموت إلا شهيدا
تحياتي وتقديري هدنا ميعاري
تعليقات
إرسال تعليق